Wednesday, February 11, 2009

!!!قل بلادة و لا تقل ريادة

سيطرت على الساحة السياسية في الفترة الماضية الأحداث الجارية في قطاع غزة من عدوان إسرائيلي جامح و صمود و إستبسال من عناصر المقاومة من الشعب الفلسطيني و رافق هذا و ذاك ردود أفعال متباينة من شتى وسائل الإعلام المسموعة و المرئية و المقروءة سواء كانت مصرية أو عربية أو دولية ولكن في النهاية اجمعت معظم وسائل إعلام على إدانة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الأعزل و كان مواطن الاختلاف في التحاليل السياسية لردود أفعال دول العالم تجاه العدوان. على سبيل المثال وجدنا في عالمنا العربي إشادة لا مثيل لها تجاه ما فعلته كل من فنزويلا و بوليفيا من طرد للسفير الإسرائيلي و قطع العلاقات الدبلوماسية و مقارنة هذه المواقف لمواقف دولنا العربية الضعيفة التي لم تتعدى إصدار بيان لشجب و إدانة العدوان.
في خلال هذه الفترة تميز الاعلام المصري بموقف لا مثيل لهو هو الإستبسال و الاستماتة في
الدفاع عن السياسة الخارجية المصرية و تصوريها " بالفظيعة إلي ملهاش حل" و كأنها هي الناهية الآمرة في القضية و لا تخطئ أبداً و نأتي بعد ذلك و نتحدث عن الريادة في مجال الإعلام. فهل الريادة تكون فقط في الدفاع عن سياسة الحكومة؟!و كان الأدهى من ذلك هو تصوير من ينتقد السياسة المصرية سواء كان من المعارضة و من جهات أجنبية بالمسيء الى مصر و تصوير كل إنتقاد على إنه إساءة لتاريخ مصر و حاضرها و إنه بفعلته هذه نسي دور مصر الحاسم طوال تاريخها تجاه القضية الفلسطينية و تناسى عدد الشهداء التي قدمتهم مصر على مدار تاريخها في سبيل فلسطين و العرب و كل هذا الكلام الذي أصبح كالاسطوانة المشروخة من كثرة تكراره. أنا بالتأكيد لست أشكك في هذا الكلام و لكن هذا لا يعني أن أن التاريخ يمحي ما يحدث من سقطات سياسية .أنا هنا لست بصدد تحليل سياسة مصر تجاه أزمة غزة و لكن ليس من المعقول أن السياسة الخارجية لمصر طوال فترة حكم مبارك لا تخطئ أبداً كما يصورها الإعلام المصري. مبارك رئيساً لمصر قرابة ثلاثون عاماً أصدر العديد من القرارات فمن الوارد جداً أن يكون بعضها لم يحالفه فيها التوفيق ففي النهاية الرئيس و القائمون على الدولة بشر يصيبون أحياناً و يخطئون أحياناً اخرى.
الاساءة التي يتحدث عنها الاعلام المصري هو حقاً ما يفعله تجاه مصر من الافتراء على الاخرون و عدم إظهار الحقيقة في بعض الأحيان و ليس النقد الذي يقوم به الاخرون لسياسة مصر الخارجية. أريد توضيح تلك النقطة من خلال الملاحظات التالية :
أولاً
ظهر على شاشات التليفزيون في إحتفالات عاشوراء الشيخ حسن نصر الله و كان حديثه منصب على العدوان على غزة و دور المسلمين و العرب لصد ذلك العدوان و من ضمن حديثه إنه يحث المواطنين المصريين للخروج إلى الشوارع على شكل مظاهرات للضغط على الحكومة المصرية من أجل فتح معبر رفح.
بعد نجاح حزب الله و حسن نصر الله في صد العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان في عام ٢٠٠٦ و اجباره على الانسحاب قبل تحقيق اهدافه اعتبر منذ ذلك الحين رمز من رموز المقاومة و التفت حوله القاعدة العريضة من جموع الشعب العربي ايماناً منهم إنه حقق مالم يستطع غيره من جيوش نظامية تحقيقه.
أنا أقول هذا الكلام ليس دفاعاً عن هذا الرجل فانه أخطأ عندما دعا المصريين للقيام بهذه الأفعال فهذا ليس من سلطته أو اختصاصه و لكن في النهاية إنه خطأ صديق و لذلك كان من الواجب علينا أن نعطي الحديث حجمه الطبيعي و الا نتصيد الأخطاء للأصدقاء و لكن كان للإعلام الموجهة رأي آخر. كانت الجرائد تتسابق في سب و قذف حسن نصر الله على صفحاتها الأولى و كانت تلك الشتائم تسبق أخبار الحرب في غزة و كأنه الموضوع الأكثر أهمية. صورته بعد الصحف "بالحانوتي" الذي يتلذذ عندما يزيد عدد الضحايا في الحروب و ما صوره بحسن "بقه" طرزان لبنان الذي لم يستطع تحقيق النصر في جنوب لبنان و إنه يعرف جيداً أن حرب لبنان ليس بها منتصر ولا مهزوم على حد قول الصحيفة الموقرة.
هل هذه هي الريادة المصرية في إعلام التي نتحدث عنها هل الريادة تكون عن طريق "الردح" للاشقاء في وقت المحنة أم هذا هو حقا الإساءة الي هذا البلد عندما يظهر مثل هذا الكلام في جرائدنا الرسمية؟
:ثانياً:
موقف اعلامنا الموقر من رفض مصر و تحفظها تجاه قمة الدوحة التي دعا إليها أمير قطر لمناقشة تطورات غزة. ما إن أعلن رفض مصر و السعودية من حضور القمة لأسباب أراها خاوية و ضعيفة حتى ظهرت بعض الفضائيات تقول أن إنعقاد قمة عربية دون دولتين في حجم و مكانة مصر و السعودية يسبب "فتنة" بين العرب و تكرس الإنقسام العربي. فهل إجتماع الاغلبية هو ما يسبب الفتنة ؟؟أم إنشقاق بعض الاطراف لاسبابها الخاصة ذلك هو الإنقسام بعينه؟! هذا بالاضافة إلى الهجوم الضاري على دولة قطر في الصحف و الجرائد و كأنها ارتكبت جرماً عندما دعت لإنعقاد قمة طارئة.
الاعلام في مصر ليس حراً كما يصوره البعض فهو أحسن من عصور مضت و لكنه في نفس الوقت لم يرتقي إلى المستوى المأمول الذي ننتظره لكي نقول أنه الرائد في المنطقة. تعالو نتخيل معاً بعض السناريوهات: السيناريو الأول هو أن بعض الفضائيات التي تذاع من مصر قامت بحملة هجوم تجاه سياسة مصر الخارجية و نقد سياسة النظام الحاكم فماذا سيكون رد الفعل؟ أقل شئ سوف تقوم به الحكومة هو إغلاق تلك القناه و ربما محاكمة القائمين عليها بتهمة نشر ماهو يسيء لمصر بالفضائيات التي تعرض للعالم أجمع.
السناريو الثاني هو هل يمكن أن نري في جرائدنا الرسمية و القومية نقد بناء للسياسة الخارجية للنظام الحاكم ؟ الاجابة ببساطة لا . كيف يحدث ذلك و روؤساء مجالس إدارة هذه الصحف و روؤساء تحريرها هم أعضاء في النظام الحاكم بصفتهم أعضاء في الحزب الوطني.
هذا ما يجعل هناك قيود على إعلام في مصر لأنه مرتبط ارتباط وثيق بالنظام و لا يمكن مهاجمته لأن ذلك يعتبر مهاجمة للنفس.
الاعلام في مصر يستطيع مهاجمة الحكومة و محاسبتها و لكن هذا الهجوم له أسقف معينه لا يستطيع أحد تجاوزها و من ضمن هذه الاسقف السياسة الخارجية للدولة. لكن ليس من المعقول أن نتغنى دائما و نقول أن كل من ينتقد سياستنا الخارجية هو مسيء الى كيان الدولة فاذا كان ذلك هو المفهوم السائر فمن نفس المنطلق كان من الواجب على أمريكا اعتبار القاء الحذاء في وجه رئيسها هو إساءة لتاريخ أمريكا و إهانة لكل أمريكا و هذا مالم يحدث حيث إعتبر الاعلام الأمريكي ما حدث هو تعبير عن غضب الشعب العراقي تجاه السياسة الأمريكية و انها إهانة لشخص بوش و ليس إهانة لأكبر دولة في العالم..

1 comment:

  1. تحليل منطقي ورائع وأعتقد أن الاعلام التابع للحزب الحاكم اصبح مفضوحا بشكل يدعو للسخرية. إن مصر تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تسخّر كل امكانيات وطاقات الدولة لمصلحة حزب فيها(دا عل اعتبار ان مصر لسّا مابقتش مملكة)

    ReplyDelete