Friday, September 4, 2009

هشتكنا و بشتكنا يا ريس

وجدت نفسي مؤخراً مغرماً بكل ماهو قديم ، كل شئ استخدمته لفترة ما في حياتي لا أحب أن أفرط فيه. ظللت أبحث عن السبب وراء ذلك ، هل هذا يعود مثلاً إلى حب الامتلاك و الاحتفاظ بالأشياء لمجرد حوزتها؟ و لكن بعد التمعن في التفكير، إستبعد هذه الفكرة. أحب كل شيئ استخدمته و ظل معي لفترة ما سواء كان قلم جاف أو حتى الكمبيوتر القديم و أن كل شئ له معي ذكرى لا أريد التخلي عنه. هذا يعني أن السبب الرئيسي هو العاطفة. العاطفة فقط هي التي تجعل الانسان يحتفظ بشيء لا يفيده.

تلك المقدمة الهدف منها هو التمهيد لشئ في نفسي أود البوح به، قد يبدو غريباً في بادئ الأمر و لكن انتظروا معي قليلاً. اكتشفت اني بحب الريس، قد تتساءل و ما العلاقة بين حب كل ماهو قديم و حب الريس يعني؟ الاجابة ببساطة أن " الريس قديم ". صدق من قال قديماً أن الحب بيجي بعد العشرة رغم انهم كانوا يقصدون الزواج و لكن هذا المثل ينطبق على حالتنا هذه. منذ أكثر من عشرين عاماً أفتح الجرائد كل يوم أجد صورة له أو تصريح بجانب الظهور في الخطابات الرسمية سواء عيد الشرطة، عيد العمال، العيد القومي أو عيد تحرير سيناء يبأة في أكثر من كده عشرة.

الكارثة الكبرى اني وجدت أن كثير من المصريين على حالي هذا فلست وحدي. إذا سألت مواطن ساخط من عامة الشعب عن أحوال معيشته و أسباب تدهورها سيصب جام غضبه على الحكومة و الحزب الحاكم و رجال الأعمال الي وكلنها ولعة على حد وصفه و لكن عندما يصل عند الريس ستجد فجأة هدوءاً في نبرة الصوت و يبتسم قائلاً بس والله الريس بتاعنا طيب بس هي الناس إلي حوله ديه. لابد أن هناك سبباً إلى هذا الحب الغير مبرر "يعني المواطن دة عرف منين إنه  طيب".

انها العاطفة دائماً و أبداً، نحن شعب نحكم قلوبنا قبل عقولنا، عندما خطب اوباما من جامعة القاهرة و بدأ حديثه بالقاء السلام بالعربية و ذكر بعد ايات القران الكريم ظللنا نصفق و اعجبنا شديداً بكلامه رغم إنه لم يضيف أي جديد و لكنه عرف يضحك علينا. عندما ماتت ماما نونا في حمادة عزو منذ سنتين بكت مصر كلها و كأنها نكسة جديدة رغم إنه مسلسل في التلفزيون.

العاطفة لدينا تسبق أي شيئ فإذا نجحنا أن نتخلص من هذه العادة و حتى النجاح في تحجيمها نستطيع وقتها أن نضع الأشياء في موضعها الصحيح و نستطيع أيضاً أن نقف عن ترديد شعار هشتكنا و بشتكنا يا ريس (نردده دائماً لقتناع لدينا أنه لديه دائماً و أبداً حلول مشاكلنا عشان هو بس إلي حاسس بينا) . أعدكم أن أبدأ بنفسي و أن أتخلص من كل ماهو قديم و ليس له استخدام عندي.

Wednesday, September 2, 2009

انها لغيبوبة مفرطة

لا أحد يستطيع أن يتقدم أو ينهض دون أن يتعلم من ماضيه سواء على المستوى الإنساني أو على مستوى الامم،لكننا الآن مع الأسف مع واقع الحياة السريع ننسى أو نتناسى هذه الأساسيات. كنت قد تساءلت في موضوع سابق عن السبب الحقيقي وراء ما نعيش فيه من تخلف و إضمحلال،هل هو يعود إلى تأخرنا الفكري أم للقوة المفرطة التي يتمتع بها الغرب من علم و تكنولوجيا و كنت حقاً ابحث عن إجابة، لكن مع مرور الوقت و ملاحظة الأحداث التي تحدث حولنا و ربطها بأحدات مماثلة لها في الماضي بدأت ازداد اقتناعا و يقينا أن الغيبوبة الفكرية هي السبب الرئيسي لما نحن فيه. إذا كان الغرب أقوياء و متسلحين بالعلم فهذا لا يرجع إلى عبقريتهم فهم يفعلون كل ما هو متاح لهم و لكن المشكلة تكمن فمن يملكون العقول و القوة البشرية و لا يتقدمون إلى الأمام بل بالعكس يزدادون تأخر و تخلف. دعنا نتحدث قليلاً عن الماضي حتى يتثنى لجميع فهم مقصدي.

الخليفة المأمون هو بلا منازع من أعظم الخلفاء العباسيين فهو إبن هارون الرشيد و حفيد المنصور مؤسس الدولة العباسية. انشئ في عصره دار الحكمة في بغداد الذي كان يجتذب العلماء و الادباء و المترجمون للحضارات القديمة من كل الأنحاء سواء بلاد العرب أو بلاد فارس أو بلاد الهند. كان نهمه بالعلم لا حدود له و نتيجة هذا الحب المجنون للعلم و المعرفة نجح في أن يجعل من بغداد مركز العالم و المنارة التي يستنير منها جميع العلماء في عصره و التي أصبحت بعد ذلك أساس التقدم في عصر النهضة لأوروبا.
تقول الرواية أن المأمون و هو في طريقه إلى معركة في الشمال مع البزنطيين التقى مع جماعة الصابئين، فهم جماعة كان يؤمنون بأن النجوم تمثل الأسماء اللامتناهية عن الله تعالى، فكان الجدال معهم إذا كانوا من أهل الكتاب فوجبت لهم الحماية أم انهم من الملحدين فعليهم بالرحيل أو مواجهة القتال. عندما إشتد الجدال بينهم لم يقتنع المأمون بفكرهم و اعطاهم مهلة حتى ينتهي من معركته في بلاد البيزنطة، لكن الصابئون ظلوا يبحثون عن أي حجة يستطيعون أن يناظروا بها المأمون حتى وجدوا غايتهم في الأية الكريمة " إن الذين امنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحاً فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون" فبرغم ما يقال عن إختلاف هؤلاء الجماعة عن الجماعة المذكورة في القرآن و لكنهم واجهوا المأمون بهذه الآيات فتراجع عن قراره و أقرهم من أهل الكتاب و وجبت لهم الحماية و بعد ذلك طلب المأمون " ثابت بن قرة "و هو من الصابئين لينضم إلى علماء بيت الحكمة في بغداد ، ليكون بعد ذلك من أعظم علماء المسلمين في الفلك و الرياضيات و الهندسة.

الغرض من سرد هذه القصة هو التعرض لنقطتين ، النقطة الاولى هي عدول الخليفة عن قراره بمجرد اقتناعه بوجه النظر الاخرى و عدم التشبث برأيه لمجرد إنه الخليفة و يستطيع أن يفعل ما يهوى. هذا ما نفتقده حقاً هذه الأيام حيث أن كل زي رأي متمسك برأيه و على أساسه يتخذ العديد من القرارات التي دائماً يستطيع أن ينفذها بسلطته و نفوذه. النقطة الثانية و هي الاهم هو مدى حب هذا الرجل للعلم فهو بمجرد سماعه عن صيت ثابت بن قرة استدعاه إلى بغداد لينشر علمه من هناك رغم إنه من جماعة تدين بغير الإسلام و الخليفة نفسه كان في بداية الأمر من الممانعين لحمايتهم، لكن هذا لن يجعل في قلب الخليفة أي ضغينة تجاه الرجل لأنه ببساطة شديدة هدفه الاساسي هو نشر العلم.

الحضارة الاسلامية إمتدت قرابة ٨٠٠ عام فكانت الخلافة في دمشق في العصر الأموي ثم في بغداد في العصر العباسي و إبان تلك الفترة بزغ نجم الاندلس بعد فتوحات طارق بن زياد ثم ظهرت القاهرة عاصمة جديدة للعلم في عهد الحاكم بأمر الله في العصر الفاطمي. طول فترة الامبراطورية الاسلامية التي إمتدت من الصين شرقاً حتى مشارف فرنسا غرباً، تعاقب على الأمة الاسلامية الكثير من الأمراء و الخلفاء اختلفت ميولهم السياسية و مذاهبهم الدينية أحياناً و لكن إشتد بينهم الصراع في مجال العلم و المعرفة. اتفقوا جميعا على أن لا حدود في مجال الابداع و التكنولوجيا و أن العلم هو أساس التقدم و مكمن القوة. عندما كنت بغداد في أوج قمتها في العصر العباسي كانت قرطبة هي منارة الأندلس لما تركته من ميراث العلماء و الأدباء و الشعراء. بمجرد انطفاء نجم يبزغ نجم جديد في سماء الحضارة الاسلامية التي تركت لنا ميراث يجب الا يضيع هباءاً.

السؤال الآن هو ما الفارق بين ذلك الماضي الجميل و الواقع المرير ؟

الاجابة ببساطة هي حب الاطلاع و المعرفة، في السابق كنا نغوص في بحور العلم بلا كلل و ملل و لكن الآن نكتفي بمشاهدة ما يقوم به الغرب من انجازات في المجالات المختلفة. بدلاً من إستدعاء الخوارزمي و إبن الهيثم إلى بيوت العلم في بغداد و القاهرة اصبحنا نصدر أحمد زويل و مجدي يعقوب إلى أهل العلم في أمريكا و أوروبا.

صدقوني هذا هو الفارق نحن لا ينقصنا شيئ لدينا عقول على أعلى مستوى، قوة و طاقة بشرية هائلة، أموال فالخير كثير و الحمد لله. العلم و الثقافة و المعرفة هم الأمل المتبقي لنا لكي نرتقي و نتقدم و أعتقد انهم شيء نستطيع أن نقوم به و ليس بالأمر العسير.

أود أن اختم حديثي ببعض أبيات الشعر من "مرثية الأندلس" للشعر أبو البقاء الرندي شاعر الأندلس التي نظمها بعد ضياع بعض الامارات الهامة في الأندلس فهي تعكس بوضوح واقعنا المخزي.

يا من لذلة قوم  بعد   عزتهم       أحال  حالهم  كفر و  طغيان

بالامس كانوا ملوكاً في منازلهم      واليوم هم في بلاد الكفر عبدان

فلو تراهم  حياري لا دليل  لهم      عليهم  من  ثياب  الذل  الوان

و لو  رأيت بكاهم  عند  بيعهم       لهالك الأمر واستهوتك أحزان