لقد تابعنا خلال الفترة الماضية أحداث العدوان الأسرائيلي الغاشم علي قطاع غزة و ما تقوم به من أعمال مشينة ضد الأنسانية من قتل للأطفال و الشيوخ و النساء وهدم للبيوت و المنازل علي روؤس أصحابها بدعوي وجود عناصر مسلحة داخل البيوت و تحتها علي شكل أنفاق تابعة اعناصر المقاومة. و ما أشبه الليلة بالبارحة فما يفعله العدو الصهيوني بغزة لا يختلف كثيرا عن معسكرات الابادة الجماعية الهولوكوست التي كان يقوم بها هتلر ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية التي وصل عدد ضحاياها الي 6 مليون يهودي علي حد قولهم و أصبح من يشكك في هدا الرقم يتعرض لعقوبة من قبل المحاكم الدولية فمجرد التشكيك يؤدي الي عقوبة دولية فهكدا دافع اليهود عن حقوقهم و ضحاياهم فمن يدافع عن ضحايا و شهداء الحروب العربية – الاسرائيلية خلال الستون عاما الماضية بدءا من حرب 1948 وصولا للعدوان الحالي علي غزة؟!!
و لكن هل ما تقوم به اسرائيل بمساعدة الدول الغربية و امريكا ضدنا نحن العرب بعدوان عسكري أو اقتصادي أو فكري هو بسبب قوتهم المفرطة و قدرتهم علي السيطرة علي كل شئ بما فيها مصائر الشعوب و في بعض الأحوال القضاء عليها أم اننا حكام و شعوب مساهمون بشكل كبير فيما يحدث؟! قبل الاجابة عن هدا السؤال أود أن أنوه بانني هنا لست بصدد تحليل عسكري للحروب أو تحليل سياسي لبعض القرارات التي أعلنت من قبل الحكام العرب ازاء الأزمة الراهنةفالحقيقة أن ما وصلنا اليه من تدهور و اضمحلال هو أكبر من أي قرار سياسي او اتفقايات دولية هزيلة فما يحدث هو نتيجة تراكم سنوات من الضعف و المهانة و االتأخر.
القضية الرئيسية التي أقصدها هي قضية فكرية فنحن وصلنا الي قدر من التخلف الفكري لم يسبق له مثيل. أصبحنا نهتم بأتفه الأسباب و نكبرها و نضخمها حتي تصبح شغلنل الشاغل. وقد يتساءل البعض ما علاقة ما يحدث في غزة لما وصلنا اليه من تخلف و تدهور فكري؟ الا جابة علي هدا السؤال تأتي في ذكر واقعة حدثت في الأيام القليلة الماضية الحدث هو مبارة لكرة القدم في الدوري المصري العقيم بين فريقي الأهلي و الاسماعيلي فبدأت المباراة بدقيقة حداد علي أرواح شهداء غزة و هتافات موحدة من جمهور الفريقين منددة بالعدوان و تدعو أهل غزة للصبر و الصمود و ما ان بدأت المباراة حتي اشتعلت المدرجات و نسي جمهور الفريقين ما كانا يناديان به و تبادلا القاء الشماريخ علي أرضية الملعب و احداث أعمال شغب في المدرجات كادت أن تؤدي الي كارثة.
قد يقول البعض أن ما حدث وارد جدا في مباريات كرة القدم و لكن انظروا كيف تناولت الصحف الأسرائيلية الموضوع من جانبها فقالت احدي الصحف أن ما حدث يوضح من هم المصريون و من هم العرب فانهم يظهرون أشياء ولكنهم يتفاعلون مع أشياء أخري تماما و هدا ما يسهل هزيمتهم بل و السيطرة عليهم أيضا. تلك الواقعة تبرهن علي أن العدو بداخلنا فعلينا أولا التخلص منه ثم التفكير فما هو أبعد.
الواقعة الأخري التي أوذكرها لتوضيح مقصدي: لقد وصلني منذ بضعة أيام رسالة علي الفيس بوك من احدي طلاب جامعتنا تدعو الي التضامن مع غزة وذلك من خلال تنفيذ بعض المطالب و بسبب تعنت ادارة الجامعة في تنفيذ تلك المطالب فانه يدعو الي اعتصام في الجامعة حتي تستجيب الادارة الي هذه المطالب.
المقصد نبيل و هو التضامن مع غزة أما المطالب موضوعية و مكتوبة بطريقة منظمة و مهذبة و لكني فجأة أصبت بذهول و دهشة فمن ضمن المطالب السعي لاحضار دي جي فلسيطيني كنوع من أنواع الأسهامات. فبالله عليكم كيف يكون الدي جي نوع من أنواع التضامن مع غزة فهل عن طريق تشغيل بعض الأغاني الوطنية أم نأتي به لنردد معه وطني حبيبي الوطن الأكبر؟!!
هذه هي القضية مرحلة اللاوعي التي وصلنا اليها و الغيبوبة المستمرة التي لا نريد أن نفيق منها و هذا لا يعود الي الأمية كما يردد البعض. المشكلة تأتي من الطبقة المتعلمة الجاهلة فالمقصود بالجهل هنا هو جهل المعرفة و ليس العلم , العزلة عن العالم الخارجي و العيش داخل قالب لا نخرج منه أبدا. الجهل بتراثنا و عادتنا وتقاليدنا أو بمعني أوضح الجهل بهويتنا العربية و الأسلامية و التقليد الأعمي لكل ما هو غربي دون النظر الي كيفية ملائمة ذلك الي هويتنا و تراثنا و قوميتنا.
يعرف معظمنا كيف ينظر الينا الغرب نحن كعرب علي اننا قوم همج لا نصلح الا لرعي الغنم و العيش مع الجمال و الخيول و لا نصلح للاقامة في المجتمعات المتمدينة بسبب عاداتنا العقيمة التي نتوارثها جيل بعد جيل و إضافة إلى ذلك احساسهم و في بعد الاحيان يقينهم بأن ديننا يحثنا على العنف و العدوان و لذلك وجب عليهم أخذ الحرص الكافي عند التعامل معنا وربما السعي للقضاء علينا و في خلال هذا الإطار ظهرت بعد الجماعات في أوربا سواء كانت جماعات سياسية أو طائفية تدعو إلى القضاء على الإسلام في أوربا و ترحيل العرب المسلمين أو حتى غير المسلمين بسبب اختلاطهم بنا في بعد الاحيان يؤدي ذلك الي تعلقهم بعاداتنا و مسلماتنا و هذا يؤدي إلى ظهور نزعة العنف عندهم أيضاً . أشهر هذه الجماعات هو حزب الحرية و الديمقراطية التي يترأسها جريت ولدرز الذي يمتللك ١٥ مقعداً في البرلمان الهولندي. يدعو هذا الرجل الي القضاء على ما أسماه "اسلاميزاشن" ويقول إنه لا يكره المسلمين و لكنه يكره الإسلام و القرآن الذي يحث المسلمين على العنف و العدوان على حد قوله فيجب على المسلمين التخلص من بعد نصوص ذلك الكتاب حتى يستطيعوا الاختلاط بالمجتمع الاوروبي.
انظروا كيف يوضح هذا الرجل وجهة نظره و اسبابه التي يرى انها تقوي موقفه فانه يقول "يجب علينا الحفاظ على هويتنا و تراثنا الهولندي لان الاسلام هو الأكثر إنتشاراً في أوربا فكان المسلمين في بداية القرن الماضي لا يتعدوا مائتين فرد بينما وصل عددهم في عام ٢٠٠٤ إلى أكثر من مليون فرد و لذلك يجب علينا أن نسعى بشتى الطرق للقضاء على تلك الظاهرة و ذلك الإنتشار. يجب علينا وقف بناء المساجد و يكفي وجود المحجبات في الشوارع الهولندية و حان الوقت للانتهاء من محلات التي تحمل كلمة "حلال" حتى نستطيع أن نحافظ على هويتنا و قوميتنا".
إنتهى كلام جريت ولدرز فهو يريد الحفاظ على قوميتهم و لذلك فهو يفعل كل ما يستطيع حتى يتثنى له ذلك سواء كنت شعارات ضد المسلمين و الاسلام أو عن طريق فيلم قصير كالذي انتجه بعنوان "فتنة" ضد الإسلام.
هذا هو الفارق بينا و بينهم فانهم يفعلون كل شئ للحفاظ على هويتهم حتى إن كانت عن طريق معاداة الأديان الاخرى بينما نحن نفعل كل شيء للتخلص من عروبتنا و قوميتنا. عندما إنتهك هتلر حقوق اليهود قامت الدنيا حتى استردوا حقوقهم كاملةً كما أشرت و هذا بالإضافة إلى التعويضات التي تدفعها ألمانيا حتى ألان لليهود و لكن عندما أهين الاسلام و المسلمون لم ينطق أحد و عندما قتل أطفال العرب في المدارس و المستشفيات لم نسمع سوى نشجب و ندين و نعترض تلك الكلمات التي لا تسمن و لا تغني من جوع و ذلك لأننا مفككين داخلياً و مفرغيين فكرياً لا نريد أن نشغل بالنا بما فيه مصلحة المجتمع نريد فقط مصلحتنا الشخصية.
وجب علينا ملء ذلك الفراغ الفكري قبل إلقاء اللوم على الآخرين و وجب علينا أيضاً أن نترفع عن كل الصغائر و التفاهات حتى نحقق النصر فأعدائنا متربصون لنا و يستغلون نقاط ضعفنا أحسن إستغلال. أين واجبنا تجاه وطننا و ديننا و مجتمعنا؟ أين وجبنا تجاه الآخرين؟ أين نصرتنا لديننا؟
أود أن اختم كلامي بقول الله تعالى: " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم"