Wednesday, March 30, 2011

أريد من يمثلني سياسياً في المجتمع

كلما مر الوقت إشتد و إحتدم الصراع بين المطالبين بإقامة دولة على الأساس الديني و بين المطالبين بالفصل التام بين الدين و الدولة و إقامة دولة علمانية على أسس الحريات المطلقة و الاحتكام الي رأي الأغلبية في الفصل في كل أمور الحياه. المحزن في الأمر أن كلا الطرفين يعتمدان إعتماداً أساسياً في خطابهم على قذف و التقليل من الآخر،كأن هذا هو الطريق الوحيد لاكتساب الشعبية اللازمة. أصبح من لايريد العلمانية ينتمي تلقائياً إلى التيار الديني، و من لا يرحب بالتيار الديني و لا يقبل تطبيقه بالشكل المعروض حالياً يصبح علمانياً قلباً و قالباً، بين هذا و ذاك لا يجد مثلي من الذين لا يقتنعون بالطرفين تياراً سياسياً يمثلهم حقاً في المجتمع.

أنا لا أريد دولة بلا هوية دينية، لكن في نفس الوقت لا أريد من يتكلم بإسم الدين و من خالفه أصبح مرتداً أو لا يسير على طريق الهدى. أنا لا أؤمن بالحرية المطلقة و لكني لا أريد من يقيد حريتي الشخصية بإسم الدين و الدين منهم بريء براءة الذئب من دم إبن يعقوب.

كيف ننشئ هذا التيار الوسطي؟ لعل الاجابة تكمن بإلقاء نظرة إلى الخطاب السياسي لكلا الفريقين، الذي كما ذكرت تعتمد على القذف المتعمد للطرف الآخر دون الخوض في تفصيل تطبيق فكره على المستوى العملي.

السادة العلمانيون؛ لماذا لا تذكروا تفصيلياً أسباب إنشاء التيار العلماني؟ كيف كانت سلطة الكنيسة في أوربا في العصور الوسطى؟ هل يمكن مقارنة هذه السلطة المطلقة آنذاك بسلطة أو سيطرة المسجد الآن؟ كيف لعبت ما يسمى بمحاكم التفتيش دوراً محورياً في بزوغ نجم العلمانية بعد ذلك؟ لماذا أنتم مقتنعون أن تطبيق الشريعة الاسلامية سيؤدي بمصر إلى النموذج الايراني؟ ربما يؤدي بنا إلى دولة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، الذي كان في عهده تفيض خيرات البلاد حتى بعد إطعام الطير!! و هذا يدفعنا إلى السؤال التالي هل حقاً إيران تطبق الشريعة الاسلامية؟

الاخوة في الدين، لماذا تصرون في حديثكم عن تطبيق الشرع في فرض الجزية و إقامة حد السارق و تنسون أساس و قلب الشريعة الاسلامية و هي تحقيق العدالة الاجتماعية، و أن العدل هو أساس الديمقراطية الحقيقية. لماذا لا تذكروا في خطابكم كيف كانت معاملة المسلمين الأوائل لغير المسلمين من أقباط و يهود و بالاخص كيف عامل عمرو بن العاص أقباط مصر بعد فتحها؟ كيف وصل غير المسلمين في عهد الخلافة الإسلامية إلى أعلى و أرفع مناصب الدولة؟

عندما يدرك أرباب الطرفين إجابات هذه الأسئلة، وقتها فقط أشعر بوجود من يمثل فكري سياسياً في المجتمع.

لا أريد دولة قائمة على النموذج الأمريكي أو الفرنسي أو الايراني أو حتى الماليزي، أريد دولة قائمة على النموذج المصري. لا يوجد تجربة في العالم يمكن استنساخها كما هي بجميع تفاصيلها، لكن كل شعب يأخذ من كل تجربة ما يفيده و ينفعه و في نفس الوقت ما يتناسب مع قيمه الاجتماعية و هويته التاريخية و الحضارية.

تبقي ملحوظة أخيرة ، عندما اتحدث عن التيار الديني، أنا لا أعمم الحديث على كل المشايخ و فقهاء و علماء الدين، أرى منهم من يتحدثون بعقلانية شديدة و ينتابني شعور بالراحة و الطمأنينة عندما استمع اليهم، لكن للأسف الشديد في عصور إنتشار الجهل السياسي، يختفي دائماً صوت الحق و العقل و يبزغ نجم المتطرفون و المتعصبون، هؤلاء من ينصب حديثي اليهم.

Tuesday, March 22, 2011

دولة دينية أم دولة تعددية؟!؟

بدأ الخوف من وجود التيارات الدينية المختلفة في المجتمع المصري يزداد، خاصةً بعد الافراج عن الكثير من المعتقلين السياسيين للجماعات الاسلامية و الاخوان المسلمون و إستعادة النشاط السياسي للتيار السلفي من خلال المؤتمرات الشعبية و الدعوات العامة بعد عقود من الكبت و البطش برموز و قادة هذه الجماعات. هل هذا الخوف في محله؟! هل يجب حقاً محاربة هذه التيارات باعتبارها معادية للدولة المدنية المأمولة؟

الاخوان المسلمون و الجماعات الإسلامية و التيار السلفي يعتبرون جزءاً أصيلاً من المجتمع المصري لا يمكن تجاهله، تم بطشه و التعامل معه بمنتهى القسوة و الوحشية في خلال العصر البائد.


ترجع قوة التيار الديني في المجتمع المصري إلى عدة أسباب مختلفة؛ السبب الأول هو البطش الوحشي الذي كانت تتعامل معه أجهزة الدولة مع هذه التيارات الدينية بدعوة تعاونها مع جهات خارجية،سواء كانت حماس في غزة أو حزب الله في جنوب لبنان. هذا التعامل الوحشي، جعل منهم في نظر الكثيرين ابطالاً، إن كانوا في بعد الأحيان لا يستحقون هذه البطولة الوهمية.

السبب الثاني و هو بطبيعة الحال، ميل المصريين في عصر الرئيس المخلوع إلى مظاهر و أشكال التدين الزائف، هذا يعود عادةً إلى الفقر و الجهل و قلة الحيلة ،اللاتي كانوا هم سمات العصر المنقضي.

السبب الثالث هو القدرة الفائقة لدى هذه الجماعات بتسويق أنفسهم على انهم هم الضحية المسكينة دائماً، قدرتهم الهائلة على العمل السري مما جعلهم يتميزون بدقة متناهية، سواء في التنظيم أو الخطابة.

السبب الرابع هو الضعف و الهوان لدى التيارات الاخرى، التي كانت مستأنسة و تلعب دائماً في حظيرة الحزب الوطني السياسية، الآن وجدت نفسها في قلب المشهد السياسي دون أن يكون لديها الخبرة أو حتى القدرة على إستيعاب ذلك.

هذه الأسباب مجتمعة جعلت من هذه الجماعات الدينية الوحش أو الفزاعة التي نرهبه اليوم و تريد بعض القوى محاربته و القضاء عليه. مع دخول مصر في عصر جديد مبني على أسس الديمقراطية،

هل يمكن في العمل السياسي إقصاء طرف أو تيار من التيارات بدعوة التشدد أو التطرف؟ قبل الإجابة على هذا السؤال دعونا أولاً نرى أمثلة شبيهة في دول نفذت الأسس السليمة للديمقراطية منذ زمن بعيد.

تجد وقت الانتخابات التشريعية في ألمانيا و النمسا إنتشار للملصقات الداعية إلى القضاء على ظاهرة إنتشار الاسلام و المسلمين من تلك البلاد من قبل الأحزاب اليمينية المتشددة. حصل في الانتخابات البرلمانية قبل الأخيرة، الحزب اليميني المسمى بحزب الحرية و الديمقراطية على 15 مقعد من أصل 144 في البرلمان الهولندي، يرأس هذا الحزب جريت ولدرز صاحب الفيلم الشهير "فتنة"، الذي يعادي الاسلام علانية بل و يطالب بالتخلص من الاسلام برمته مثلما تخلصت أوربا من الفاشية و النازية و كل ذلك من أجل المحافظة على الهوية الهولندية و الأوروبية المسيحية.


تعني هذه الأمثلة عن وجود التيارات اليمينية المتشددة في المجتمعات الديمقراطية، لكن الفارق دائماً هو مدى تجاوب المواطنون مع هذا الحزب أو ذاك التيار و مدى شعبيته في المجتمع. الأمثلة السابق ذكرها، لم يحدث حصول هذه الأحزاب في يوم من الأيام على الأغلبية في البرلمان. هذا يعود دأئماً إلى الوعي الكافي لدى المواطنون أن التشدد الديني ليس بالضرورة هو الطريق من أجل تحقيق التقدم السياسي و الإقتصادي. أوربا المعادية إلى حد كبير للاسلام، لا ترى في دولها الديمقراطية فوز أحد الاحزاب اليمينية المتطرفة في صناديق الاقتراع و وصولهم إلى السلطة، بينما بلادنا الداعية إلى التسامح يسيطر على مجتمعاتها التشدد الديني.


التيارات الدينية في مصر تجد أرض خصبة للانتشار و التوغل في المجتمع، لما يتميز به المصريون من جهل و فقر من ناحية، و ما يتميز به التيارات الاخرى من ضعف و سوء تنظيم من ناحية أخرى، فقبل إلقاء اللوم على هذه الجماعات من بث افكارها في المجتمع، يجب أولاً بناء تيارات أخرى سواء ليبرالية أو يسارية على نفس القدر من القوة و التنظيم. لكي تشعر بهذا الفارق حاول ذكر 5 أسماء بارزة لكل من التيار الديني، التيار الليبرالي، التيار اليساري. عندما تستطيع حقاً القيام بذلك، يمكن القول اننا وصلنا إلى الهدف المنشود، من تمثيل للمجتمع المصري عبر تيارات سياسية مختلفة.

التوعية السياسية تبقى هي كلمة السر في المرحلة المقبلة، سواء عن طريق تقوية التيارات المختلفة كما ذكرنا في مواجهة التيار الديني، أو عن طريق إنشاء جمعيات أهلية تدعو إلى نشر الوعي السياسي وسط المجتمع، و توسيع رقعة المشاركة السياسية، أو الدعوة إلى حضور ندوات من أجل المشاركة في الجدل الفكري مع التيارات الحزبية المختلفة، حتى يتثنى لكل مواطن معرفة التوجهات المختلفة لكل تيار، و ملائمة كل تيار لفكره الشخصي.


يبقى أخيرا ملحوظة واحدة وجب ذكرها، هي العمد في عدم الفصل بين الاخوان المسلمين و الجماعات الاسلامية و التيار السلفي، لاعتقادي الشخصي بأن الاختلاف بينهم يأتي في الشكل و الخطاب السياسي، و ليس في المضمون أو التوجه.

Thursday, March 10, 2011

تفاوت فكري علي هامش الثورة

اثبتت الثورة المصرية مدى الإضمحلال الفكري الذي كنا نعيش فيه في عصر الرئيس المخلوع، مثل ما فاجأنا هذا الوعي و النضج السياسي لدى الكثير من الأفراد، صعقتنا هذه الرجعية و ضيق الافق الذي يتمتع به آخرون. وصل المستوى الثقافي لدى قطاع كبير من الشعب إلى أدنى مستوياته و للاسف هذا ما يعتمد عليه  الآن فلول و أذناب النظام البائد، يعتمدون على مخاطبة هذه العقول قليلة الحيلة لكسبها لصفهم، تارة باللعب على الوتر العاطفي و تارة بالترهيب و الترويع. كلما مرت الأيام على قيام الثورة زادت الفجوة إتساعاً بين من يملكون رؤى و فكر و بين من لا يملكون سوى الجعجعة.

أمام هذا الحدث الثوري العظيم ، إستخدم كل فرد ما لديه من مخزون ثقافي و فكري في كيفية التعامل مع هذا الموقف و لذلك انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام؛ القسم الأول هو قسم الأشخاص الذين لديهم مخزون ثقافي كافي لإتخاذ قراراً واضحاً منذ البداية لا يميلون عنه. القسم الثاني و هو السواد الأعظم من الناس هو قسم المترددون الذين إختلط عليهم ألحق بالباطل و ذلك ربما يعود غالباً لقلة ما لديهم من معلومات عن الواقع المصري أو بالاحرى ما لديهم من أفكار مستوحاه في معظم الاحيان من برامج التوك شو  أو بعض القراءات غير المتعمقة التي لا تتيح لهم إتخاذ القرار الصواب في الوقت المناسب. أما القسم الثالث هو القسم الهدام المستفز، ينتمي إلى هذا القسم هؤلاء الأشخاص الذين يتميزون بأهم صفة من صفات عصر مبارك و هي الفتي من أجل الفتي. هم لا يملكون أي مخزون ثقافي أو فكري و ليس لديهم أي مرجعية تتبنى ما يعرضوه من أفكار هاوية. قد يكون مرجعيتهم الوحيدة مثلا هي الكنيف أو المراحيض العامة لما يملكونه من  أفكار ذات روائح فواحة.

أرجو العلم بان الحوار الديمقراطي هو ما يقوم على الرأي و الرأي الآخر بمعني أن لكل رأي حجته و براهينه التي تؤيده سواء اقتنعت بها أم لم تقتنع، أما أن تكون هناك وجهة نظر تمتلك كل الحجج و البراهين واخرى ليس لديها سوى إسهال صاحبها، عفواً هذه ليست ديمقراطية و مجرد تناول هذا الحوار هو تضييع للوقت.

الآن يأتي السؤال كيف نجحت الثورة مع وجود هذا التفاوت الرهيب؟!! الاجابة ببساطة تكمن في قوة القسم الأول و مدى فاعليته و تأثيره على القسم الثاني بل و نشر التوعية اللازمة إلى هذا القسم حتى يتثنى له إتخاذ القرار الصواب، مما أدى إلى إلتفاف غالبية أفراد القسم الثاني الى القسم الاول و كونوا معاً كتلة كبيرة هائلة كانت هي المحرك أو دينامو ثورة التي يصعب مواجهتها بالفتي و الجعجعة.

المجتمع السليم و الصحي هو من يتكون أغلبيته من القسمين الأول و الثاني في هذا الحالة فقط يكون للحوار جدوى، أما من لا يفكر يمتلك وجهة نظر و يحارب من أجلها، هذا لن يؤدي إلا إلى إنحدار آخر نحن في غنى عنه. هذه هي اللحظة الذهبية لكل من كان يفضل الابتعاد عن الحياه السياسية و الخوض في معارك فكرية مختلفة، لقد حان وقت مشاركتك الفعلية، الوطن الآن في حاجة إلى كل  وجهة نظر  مبنية على رؤية سليمة و تفكير منطقي حتى نضع هذه الامة في المكانة التي تليق بها بين الامم.