Tuesday, January 18, 2011

شهيد بتونس.....كافر بمصر

ما حدث في تونس في الأيام الماضية من ثورة شعبية تصل الهروب الرئيس و تغيير مستقبل البلد شيئ يدعو الي القليل من التفاؤل و الزهو و الكثير من التأمل. قيام ثورة شعبية في دولة عربية تتشابه ظروفها السياسية مع الظروف المصرية يبعث بعض التفاؤل في النفوس بمبدأ ربما يأتي الدور علينا أو قد تكون هذه هي الشرارة لإشعال المنطقة كلها. على المستوى الشخصي عندما علمت بهروب زين العابدين و أن الاحتجاجات التونسية بدأت تجني ثمارها، شعرت بفرحة عارمة مزيجة بمشاعر الغيرة الحميدة، الفرحة كانت ربما لانتمائي العربي أو إيماني بالقومية العربية أو ربما لم رأيته من فرحة حقيقية في عيون اصدقائي ااتونسيين الفرحة التي لا أراها إلا بفوز مصر بكأس الامم و سألت نفسي "إشمعنى احنا لأ يعني؟و هما أحسن مننا في إيه؟"، بعد مرور يومين بدأت أجد إجابات لم يجول في خاطري من اسئلة.
تابعت عن كثب التعليقات و ردود أفعل المصريين على الحدث التونسي، بعض التعليقات كان بها الإفراط في التفاؤل و آخريات جعلتني أشعر بالغثيان و ضيق حاد في التنفس لكن الخلاصة أن ما حدث في تونس لا ينطبق على مصر و لا يمكن أن يحدث بنفس الاسلوب على الأقل في الوقت الراهن و يرجع هذا إلى السببين التاليين:

أولاً: النظام المصري المبارك يتمتع بذكاء و فطنة لا تقارن بنظيره التونسي، أكاد أكون لا أبالغ عندما أقول أن النظام المصري هو أذكى نظام ديكتاتوري في المنطقة العربية. يتبع النظام المصري الحاكم نظرية "الحلة البرستو"، يمارس جميع أنواع القهر و القمع و الاستبداد ضد الشعب و لكن في نفس الوقت يسمح بحيز من التنفيس المتفق عليه بالطبع.  يسمح بمصر بنقد الوزير و مجلس الشعب و نوابه بل و الحكومة بأجمعها دون التعرض للمسائلة القانونية في كثير من الاحيان، يسمح بالمظاهرات و الاعتصامات و الاحتجاجات "السلمية" قبل فضها من قبل الشرطة و لكن على الأقل يسمح بها. العكس تماماً هو ما كان يحدث في تونس حيث أن أسباب الثورة مازلت متوفرة بلا شك و لكن بجانب ذلك كنت تتمتع البلاد هناك بقدر كبير من كبت للحريات و شبه انعدام تام للصحافة الحرة و بطش كل من تسول له نفسه بانتقاد فراش في الحكومة، منعت أي وسيلة من وسائل التنفيس فكانت النتيجة الطبيعية هي انفجار "الحلة البرستو" مع أول شرارة.

ثانياً: منذ بداية الخليقة يتميز المصري بالسلام الاجتماعي و القدرة الكبيرة على التأقلم و الايمان الزائد بالقدر.منذ سبعة الآف سنة و نحن نعيش بجانب النهر في انتظار ما يخبأه لنا القدر (مياه الفيضان)، نزرع الأرض و نأكل ما نزرعه. هذا من شأنه ربي بداخلنا الاستسلام الكامل للقدر حيث إنه وحده القادر على تغيير الواقع.  القدرة الإلهية وحدها هي القادرة على زيادة منسوب الماء فيعم الرخاء أو تقليلها فانتشر الجفاف. مما جعل التدين الزائد هي الصفة التي يتميز بها المصريون منذ الحضارة الفرعونية. الطبيعة تؤثر بشكل كبير علي التكوين النفسي للانسان فمن يعيش في الغابة عليه تعلم كيفية التعامل مع الأسود. هذه الصفات بالطبع لاتعيب المصري و لكن تكمن المشكلة أن النظام الحاكم  أدرك هذه الصفات جيداً و استغلها أحسن إستغلال و أخذ ينمي و يغذي فيها خلال ثلاثة عقود حتى آمننا بها حق إيمان، بجانب الانتشار المخيف للجهل مما افقد المصري ثقته بنفسه حيث أن لا ملاذ للانسان الجاهل سوى التقرب من الله حيث إنه سبحانه و تعالى الوحيد القادر على تغيير واقعه. أصبح الإقتناع السائد أن الحكومة دائما على صواب و كأن الحكومة أو النظام أفراد يتميزون بقوة خارقة ليسو مثلي و و مثلك صوابين و خطائين. هذه الحالة الفريد من نوعها لا تتوافر في تونس حيث أن الأمية تمثل ١٠٪ من تعداد سكاني يبلغ حوالي ١٠ مليون نسمة (عدد سكان العشوائيات حول القاهرة فقط) بينما تبلغ نسبة الأمية في مصر ٤٠٪  من تعداد سكاني حوالي ٨٢ مليون.

الشعب التونسي كان على دراية بمشاكله و لكن يد النظام كانت غليظة و باطشة ،ما أن كسر الشعب حاجز الخوف و الرهبة حدث الانفجار بينما في مصر نريد أولاً توعية الطبقات المقدحة و تغيير معتقداتهم الراسخة منذ أكثر من ثلاثين عامٍ.

ليس الهدف هنا بث الروح التشاؤمية في النفوس أو إثبات أن الأمل في التغيير ضاع، ما أود قوله هو أن التغيير على الطريقة التونسية ليس مطروحاً حالياً هذا لا يعود لعدم تواجد الأسباب بل لاختلاف الظروف الاجتماعية برغم من توافر الاستبداد السياسي.

شاب أحرق نفسه أشعل ثورة في وطن بأكمله ، لكن عندما احترق قطار و غرقت عبارة مات في هذا و ذاك أكثر من ٢٠٠٠ شخص حطمنا السفارة الجزائرية لعدم وصولنا لكأس العالم . قرأنا في الصحافة أمس عن رجل أشعل النار في نفسه أمام مجلس الشعب لتدهور أحوال معيشته، كان رد الفعل هو الجدال هل يعتبر الرجل كافرا لإقدامه على الإنتحار أم لا؟!! حدث نفس الشيء في تونس اعتبر الرجل شهيد و مفجر   الثورة التونسية.....