Wednesday, August 29, 2012

قنبلة في وسط ميونيخ!!

Photo from Süddeutsche Zeitung
كان يوم طبيعي جداً، صاحي من النوم بدري (مش بدري أوي يعني) رايح الشغل، مستني المترو و اللوحة تشير بأن المترو اللي جي قدامه 6 دقايق (آه في لوحة في كل محطة تشير بميعاد المترو اللي جي بالدقيقة)،  بس اليوم دة كان في إضافة ، خبر تحت المواعيد بيقول إن الخط التالت و السادس مش هيتوقفوا في محطه معينة، محطة في منطقة قريبة أوي من وسط البلد، السبب انهم لقوا قنبلة أثناء الحفر لموقع بناء هناك، فلازم يتم نزع فتيل القنبلة و لذلك إحتياطياً تم إلغاء المحطة.
قرأت الخبر بدون إهتمام أوي، عشان بقى شئ عادي كل كام شهر و هما بيحفروا يلاقوا قنبلة من الحرب العالمية التانية مدفونة في الأرض، ينزعوا فتيلها و الليلة تخلص في كام ساعة و ترجع الامور لطبيعتها. وصلت المكتب و طبعاً أول حاجة بعملها اني ببدأ شغل علطول (الشغل هنا معناه الاطلاع على أخبار مصر و بعدين قراءة بعض الأخبار المحلية كدا) ، اكتشفت إن الموضوع المره دي أكبر من كل مرة للاسباب الآتية:
- القنبلة المرة ديه وزنها 250 كيلو، و المنطقة اللي لقوها فيها، شبة الزمالك كدا في القاهرة من حيث الكثافة السكانية العالية، قربها من وسط  البلد و رقيها بردو.
- دة غير أصلاً انهم معرفوش ينزعوا فتيلها عشان وزنها الكبير، و النص اللي فيه الفتيل لسة مدفون في الأرض و النص التاني مكشوف منه للسما!!
طب اه الحل دلوقتي؟! قالك هنفجرها، دة بجد؟! اه بجد. تخيل كدا  قنبلة تحت برج أم كلثوم في الزمالك و محافظ القاهرة قرر يفجرها و يكون عمل حسابه إن مفيش خساير تحصل في سيلانترو اللي جنبه!!!
هيعمله حاجة اسمها التحكم في الانفجار، و دة عبارة عن تحويط القنبلة بمواد خرسانية معينة، فتمتص الانفجار و الموجات المصحوبة له حتى لا ينتقل إلى مباني المجاورة (طلع فيه حاجة اسمها كدا). بس طبعاً حاجة زي كدا من إحتياطات الآمان لازم يتم إخلاء المنطقة كلها من السكان. هما أصلاً لما اكتشفوا وجود القنبلة الليلة اللي قبلها تم اخلاء السكان من المنطقة بدائرة قطرها 300m. كل الناس سابت بيوتها ماعدا واحد صاحبي مصري ساكن هناك، هنيجي لقصته بعد شوية.
المهم لما القرار إتجه إلى تفجير القنبلة في مكانها، تم توسيع دائرة الإخلاء فأصبحت قطرها 1km. (كل دة و أصلاً المواد اللي حطوها مش حتخلي الموجات تتحرك من مكانها، بس بردو أصل هنا حياة البني آدم ليها تمن).
إحتياطات الآمان شاملة بردو غلق جميع أنابيب الغاز في المنطقة، إيقاف المترو تلت محطات قبل و بعد المحطة المشؤومة. تم الاستعانة بخبراء متفجرات من ولاية تانية من ألمانيا و تم تحديد الساعة التاسعة مساءً ميعاداً للتفجير (و الله زي ما بقول لكم كدا).
كل اللي فات دة بقى حمادة و اللي جي دة حمادة تاني خالص.
عارفين لما نبقى بنتابع ماتش كورة على يالا كورة في حاجة اسمها دقيقة بدقيقة صح؟!، أهو دة اللي حصل بالضبط، ساعة قبل ميعاد التفجير على موقع المدينة عملوا دقيقة بدقيقة للبيحصل (واخدين بالكو من الشفافية). كانت الأخبار كالآتي: وصول سيارات المطافي(عشان الانفجار هيسبب حريق لازم يطفي بسرعة)، وصول طائرات هليكوبتر لمتابعة و مراقبة سير العملية. و المفاجأة بقى انهم حطوا مواد متفجرة  من عندهم حولين القنبلة عشان يضمنوا إنها تتفجر كلها !!! ( فيه فجر أكتر من كدا)، تم تأجيل معاد التفجير لسبب ما من كتر الضحك اللي كنت فيه مش فاكره.

جت الساعة الموعودة و هوب انفجرت القنبلة، حد حس بحاجة؟! اه يعني صوت إنفجار و صوت عربيات مطافي إضافية كانت طالعة على المكان، أنا عن نفسي استغربت ازاي عربيات إضافية يعني كانوا حاسبين كل دة و مش عارفين محتاجين عربيات مطافي قد إيه؟، إيه عدم التنظيم دة (النفسنة وحشة بردو).
 طلع إيه بقى؟ لما القنبلة إنفجرت طيرت شوية ألواح خشب محروقة على سطح المبنى المجاور فلازم يتلحق بسرعة بعربيات إضافية عشان العربيات الموجودة ليها مهمة تانية (لسان حالك بقول إيه سفن إيه زيي ولا لسة!!).
الليلة ديه كلها كان اه الخساير بقى؟! ولا أي حاجة محلين جنب المكان الزجاج الأمامي بتاعهم اتكسر بس!!! و دول طبعاً التأمين هيغيرهم و خلاص على كدا. و خلصت في قد إيه؟! أقل من 24 ساعة، تاني يوم عادي جداً المواصلات شغالة عادي و الناس رجعت بيوتها  و راحت شغلها و لا كأن في قنبلة وزنها 250 كيلو انفجرت اليوم اللي قبلها!!!
نرجع بقى لقصة صاحبي المصري، هو ساكن بالضبط  جنب المنطقة اللي لقوا فيها القنبلة، بعد ما اكتشفوا وجود القنبلة تم إخلاء المنطقة بقطر 300 م  زي ما قلت، البوليس كان بيلف في الشوارع بيحذر الناس و يدعوهم لترك البيوت عبر مكبرات صوت.
صاحبنا بقى سمع الكلام دة أغلق الشبابيك و الستائر و كمل نوم عادي، نزل تاني يوم من البيت لقى طبعاً الشوارع فاضية من الناس و العربيات. و البوليس موجود في كل حتة، هو طبعاً مش فاهم فيه ايه؟ البوليس بصله باستغراب شديد و بيحاول يمنعه من المرور قائلاً: إنت بتعمل اه عندك؟
رد عليه باستغراب أشد: أنا كنت نايم في البيت!!
البوليس خلاه يعدي تقريباً رأفة بحالته و هو لسة بيبصله و هو مش قادر يستوعب، معذور أصله مايعرفش إنه مصري.
أما صاحبنا راح شغله عادي و لسان حاله بيقول: يا راجل كبر مخك!!

المصري مفيش أي إنفجار يقدر يهزه. 






Sunday, August 26, 2012

أخونة الدولة وعكشنة المجتمع!!!



كنت علي متن الطائرة في طريقي إلى ألمانيا، تجلس بجانبي إمرأة مصرية في حوالي العقد الخامس من عمرها ،تبدو من ملابسها و و طريقة كلامها انها من المنتمين إلى الطبقة فوق المتوسطة و ما أيد ذلك الانطباع استخدامها مع المضيفة بعض الكلمات الفرنسية (غير مرسي و باردون أكيد) مما يعني انها ممن تلقى تعليماً متميزاً في زمن كان يصعب فيه تقديم التعليم العادي لأبناء الشعب ، مما رسخ لدي فكرة انها من أبناء الطبقة فوق المتوسطة أو حتى الطبقة العالية.
بعد مرور بعض الوقت كنت منهمكاً في القراءةو لاحظت انها تحاول تقرأ ما أقرأه من باب الفضول على ما أعتقد.
 نظرت إليها بإبتسامة خفيفة فقالت: سوري، هو دة قرآن؟ ربما اعتقدت ذلك للكثير من الآيات و الأحاديث الواضحة من كتابتها بين صفحات الكتاب.
أجبت: لأ، دة كتاب عن الإستبداد السياسي للامام الغزالي.
قالت: أنا أعرف بنته، هو من الشيوخ الكويسين (أعتقد انها تقصد المعتدلين)، بس إنتوا بتحبوه؟.
أجبت: حضرتك تقصدي مين بانتوا؟.
قالت انتو الشباب يعني.
قلت: أكيد طبعاً  هو من الشيوخ المعتدلين و من الأئمة الكبار في الإسلام.
قالت: بس انتو ليه بقيتوا تقروا في الدين كتير دلوقتي عن زمان، ما هو الاسلام هو هو متغيرش من 1400 سنة.
فبدأت اشرح وجهة نظري في الموضوع من ناحية الكبت الذي كان معرض له الشعب في غضون السنين الماضية من قبل الحكم الدكتاتوري و أن الدين كان يستخدم دائماً من أجل مصلحة الحاكم ليس إلا ، كانت المحاولة دائماً من إلغاء عقول الشعب من أجل إحكام السيطرة التامة  عليهم، لكن بعد الانفتاح الفكري الذي حدث في مصر بعد الثورة، إكتشف الكثير من الشباب أن ينقصهم الكثير من المعرفة  الدينية و الدنيوية أيضاً.
استمعت جيداً لما قلته و لكن حديث مثل هذا كان لابد أن يتطرق بطبيعة الحال إلى الوضع السياسي في مصر بعد الثورة و حديث الشارع الآن في الخوف من 'أخونة الدولة'.
وضح من كلامها كرهها الشديد للاخوان بطريقة أثارت إهتمامي و جعلنتني اشاركها الحديث بتركيز بالغ حتى تتضح لي أسباب هذه الكراهية. هل هي الكراهية المتداولة في الجرائد الصفراء و الاعلام الرخيص من كلام فارغ ليس مبني على دلائل و قرائن؟ أم هي كراهية مبنية على أسباب واضحة و مواقف صريحة قام بها الاخوان تثبت انتهازيتهم و عملهم لصالح الجماعة فقط ؟.
   هي تقول أن الاخوان ( فهمت من اسلوبها انها تقصد بالاخوان كل من ينتمي إلى تيار الاسلام السياسي هي إذن لا تفرق بينهم !!) يحاولون منذ عقود الوصول إلى السلطة و هم تربية النظام السابق. أجبت إنه من الطبيعي أن تترعرع الجماعات المتطرفة ( حاولت هنا أن ادفع الحديث إلي الجماعات المتطرفة و ليس الاخوان لاقتناعي بعدم تطرف الاخوان بأي حل من الأحوال، برغم من اختلافي معهم في كل شيء آخر) في كنف النظام السابق و تحت رعايته لأن أي نظام مستبد لابد من خلق عدو له يخيف به الشعوب من أجل بسط سيطرته و إحكام قمعه عليهم تحت مسمى حمايتهم. ضربت المثال الأمريكي، حيث أن أمريكا هي القوة المهيمنة على العالم و لكي تبقى الملاذ الدائم لكل الشعوب المستضعفة تحت شعار حماية الحريات و الديمقراطية خاصةً بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي، كان عليها من خلق عدو تحاربه حتى تقنع و تبرر لبقية العالم من أهمية وجودها و أهمية هيمنتها، فوجدت غايتها في محاربة الارهاب. بنفس المنطق تتعامل الأنظمة القمعية مع شعوبها.
كانت إيماءات رأسها توحي بموافقتها على ما أقول، لكنها عادت مرة أخرى في هجومها على الاخوان ، فبمجرد ذكر أمريكا، إتهمت الاخوان صراحةً بالعمالة لأمريكا، حيث انهم يتقاضون الأموال من أجل بسط سيطرتهم على مصر(  مما يعني  ضمنيا بسط السيطرة الأمريكية على مصر أيضاً) و أخونة الشرق الأوسط كله حتى يكون تابع لأمريكا. كنت أفضل ألا أقف في موقف المدافع عن الاخوان، لكن الكلام استفزني صراحةً خاصةً إنه خالي من أي قرائن أو دلائل.  فقلت - محاولاً أن أكون موضوعياً- أننا لم نرى شئ من الإخوان بعد و مازال الوقت مبكراً حتى نستبق الأحداث و نصدر الأحكام ضدهم.
قالت اننا نعلم منذ نشأتهم كم هم سيئون و يجب ألا نتركهم في السيطرة علينا يجب ايقافهم من الآن (العودة مرة أخرى موضوع أخونة الدولة).
قلت: أولاً منذ نشأة الاخوان لم نراهم في المناصب القيادية من قبل. ثانياً: الاخوان مازال امامهم الكثير حتى يتجذروا في أركان الدولة مثلما كان الحزب الوطني، و أن العبء الأساسي الآن يقع على عاتق القوى السياسية الاخرى، عليهم بالتوحد حتى لا يحدث معهم مثلما حدث في الإنتخابات البرلمانية السابقة.
هناك أيضاً معترك كتابة الدستور، موقفهم من التحكم في إعلام الدولة ،و إستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية. كل هذه المعتركات لن ينجح الاخوان في كسبها إلا بتسهيل من القوى الاخرى، فلا يلام في النهاية غيرهم في هذه الحالة بسبب اندثارهم و تشرذمهم و اهتماهم بصراعات تافهة أخرى تخرج عن سياق الصالح العام.
فأومأت برأسها و اعتقدت انها توافقني و اقتنعت بما قلته و أن الحديث إنتهى عند هذه النقطة.
 بعد ذلك إنشغل كل منا بما كان يفعله .بعد حوالي ساعة بدأت الطائرة في مرحلة الهبوط التدريجي، كانت السماء في هذا اليوم تخلو من أي سحب ، الشمس ساطعة و الجو يبدو من الشباك شديد النقاء، يتجلى من خلاله جمال الطبيعة الاوروبية الخلابة، الأشجار الكثيفة الخضراء، الحقول الزراعية المقسمة بطريقة هندسية سليمة، البيوت الصغيرة التي تتوسط هذه المساحات الشاسعة من الأرض الخضراء فتبدو من فوق و كأنها ورود صغيرة في وسط بستان كبير لا ترى نهايته. المنظر كان يسر العين و يسحر العقل.
هذه السيدة كانت مستمتعة تماماً بهذا المشهد و كلما اقتربنا أكثر من الأرض إزداد التصاقها بالشباك و كأنها تحاول الا تفوت لقطة من هذا المنظر الجميل دون أن تراه،
ثم فجأه وجدتها تقول: المنظر الجميل دة عمر ما المتأسلمين اللي في مصر هيفهموه، هنا استغلوا الطبيعة بطريقة جميلة لكن عندنا عمرهم ما هيفهموا الكلام دة.
كانت الرحلة أوشكت على نهايتها و أنا شديد التعب، كنت لا أريد أنا أفتح مرة أخرى جدال اعتقدت إنه إنتهى، فأجبت إجابات مقتضبة مثل نعم، آه و أومأت برأسي.
فقالت: بس إنت شكلك اخوان، بس مش مشكلة!!
رددت متعجباً: أنا شكلي اخوان!! اشمعني؟!
قالت: عشان دقنك!!!!!
نزلت علي هذه الاجابة كالصاعقة، كنت منتظر أن تقول مثلاً لأنك دافعت عنهم منذ قليل أو لأنك تقرأ في كتاب يبدو دينياً، كان من الامكان أن اتفهم ذلك، لكنها تجاهلت كل ذلك و حكمت حكمها بأني اخوان 'عشان دقني' . تجاهلت الجدال الطويل الذي دار بيننا و تجاهلت أن الاخوان عادة لا يطلقون لحيتهم بل و تجاهلت اني ارتدي قميص 'بينك' و استك في يدي نفس لون القميص، أي اخواني هذا !!!!
نفيت انني من الاخوان، ليس لأنها سبة أو تهمة لكن لأني حقاً لست اخوانياً سواء إنتماءاً أو تنظيماً. شعرت انها لم تقتنع بما قلت و لكني لم اكترث هذه المرة. كانت بحمد الله الطائرة قد هبطت في مطار ميونيخ و فتحت ابوابها فخرجت مسرعاً نادماً على الوقت الذي أضعته في جدال وضح في النهاية إنه كان بلا أي فائدة.
تيقنت وقتها أن تأثير  امثال توفيق عكاشة  ووائل الابراشي, لا تنحصر  على طبقة معينة من الشعب  مثلما كنت أظن،لكنه اتضح إنه تأثير يشمل  جميع طبقات الشعب مع  اختلافتها الاجتماعية، الفكرية أو التعليمية.
ولنا حديث اخر في  كيفية  التخلص من عكشنة أو ابرشة المجتمع إذا  جاز  التعبير.