Sunday, August 26, 2012

أخونة الدولة وعكشنة المجتمع!!!



كنت علي متن الطائرة في طريقي إلى ألمانيا، تجلس بجانبي إمرأة مصرية في حوالي العقد الخامس من عمرها ،تبدو من ملابسها و و طريقة كلامها انها من المنتمين إلى الطبقة فوق المتوسطة و ما أيد ذلك الانطباع استخدامها مع المضيفة بعض الكلمات الفرنسية (غير مرسي و باردون أكيد) مما يعني انها ممن تلقى تعليماً متميزاً في زمن كان يصعب فيه تقديم التعليم العادي لأبناء الشعب ، مما رسخ لدي فكرة انها من أبناء الطبقة فوق المتوسطة أو حتى الطبقة العالية.
بعد مرور بعض الوقت كنت منهمكاً في القراءةو لاحظت انها تحاول تقرأ ما أقرأه من باب الفضول على ما أعتقد.
 نظرت إليها بإبتسامة خفيفة فقالت: سوري، هو دة قرآن؟ ربما اعتقدت ذلك للكثير من الآيات و الأحاديث الواضحة من كتابتها بين صفحات الكتاب.
أجبت: لأ، دة كتاب عن الإستبداد السياسي للامام الغزالي.
قالت: أنا أعرف بنته، هو من الشيوخ الكويسين (أعتقد انها تقصد المعتدلين)، بس إنتوا بتحبوه؟.
أجبت: حضرتك تقصدي مين بانتوا؟.
قالت انتو الشباب يعني.
قلت: أكيد طبعاً  هو من الشيوخ المعتدلين و من الأئمة الكبار في الإسلام.
قالت: بس انتو ليه بقيتوا تقروا في الدين كتير دلوقتي عن زمان، ما هو الاسلام هو هو متغيرش من 1400 سنة.
فبدأت اشرح وجهة نظري في الموضوع من ناحية الكبت الذي كان معرض له الشعب في غضون السنين الماضية من قبل الحكم الدكتاتوري و أن الدين كان يستخدم دائماً من أجل مصلحة الحاكم ليس إلا ، كانت المحاولة دائماً من إلغاء عقول الشعب من أجل إحكام السيطرة التامة  عليهم، لكن بعد الانفتاح الفكري الذي حدث في مصر بعد الثورة، إكتشف الكثير من الشباب أن ينقصهم الكثير من المعرفة  الدينية و الدنيوية أيضاً.
استمعت جيداً لما قلته و لكن حديث مثل هذا كان لابد أن يتطرق بطبيعة الحال إلى الوضع السياسي في مصر بعد الثورة و حديث الشارع الآن في الخوف من 'أخونة الدولة'.
وضح من كلامها كرهها الشديد للاخوان بطريقة أثارت إهتمامي و جعلنتني اشاركها الحديث بتركيز بالغ حتى تتضح لي أسباب هذه الكراهية. هل هي الكراهية المتداولة في الجرائد الصفراء و الاعلام الرخيص من كلام فارغ ليس مبني على دلائل و قرائن؟ أم هي كراهية مبنية على أسباب واضحة و مواقف صريحة قام بها الاخوان تثبت انتهازيتهم و عملهم لصالح الجماعة فقط ؟.
   هي تقول أن الاخوان ( فهمت من اسلوبها انها تقصد بالاخوان كل من ينتمي إلى تيار الاسلام السياسي هي إذن لا تفرق بينهم !!) يحاولون منذ عقود الوصول إلى السلطة و هم تربية النظام السابق. أجبت إنه من الطبيعي أن تترعرع الجماعات المتطرفة ( حاولت هنا أن ادفع الحديث إلي الجماعات المتطرفة و ليس الاخوان لاقتناعي بعدم تطرف الاخوان بأي حل من الأحوال، برغم من اختلافي معهم في كل شيء آخر) في كنف النظام السابق و تحت رعايته لأن أي نظام مستبد لابد من خلق عدو له يخيف به الشعوب من أجل بسط سيطرته و إحكام قمعه عليهم تحت مسمى حمايتهم. ضربت المثال الأمريكي، حيث أن أمريكا هي القوة المهيمنة على العالم و لكي تبقى الملاذ الدائم لكل الشعوب المستضعفة تحت شعار حماية الحريات و الديمقراطية خاصةً بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي، كان عليها من خلق عدو تحاربه حتى تقنع و تبرر لبقية العالم من أهمية وجودها و أهمية هيمنتها، فوجدت غايتها في محاربة الارهاب. بنفس المنطق تتعامل الأنظمة القمعية مع شعوبها.
كانت إيماءات رأسها توحي بموافقتها على ما أقول، لكنها عادت مرة أخرى في هجومها على الاخوان ، فبمجرد ذكر أمريكا، إتهمت الاخوان صراحةً بالعمالة لأمريكا، حيث انهم يتقاضون الأموال من أجل بسط سيطرتهم على مصر(  مما يعني  ضمنيا بسط السيطرة الأمريكية على مصر أيضاً) و أخونة الشرق الأوسط كله حتى يكون تابع لأمريكا. كنت أفضل ألا أقف في موقف المدافع عن الاخوان، لكن الكلام استفزني صراحةً خاصةً إنه خالي من أي قرائن أو دلائل.  فقلت - محاولاً أن أكون موضوعياً- أننا لم نرى شئ من الإخوان بعد و مازال الوقت مبكراً حتى نستبق الأحداث و نصدر الأحكام ضدهم.
قالت اننا نعلم منذ نشأتهم كم هم سيئون و يجب ألا نتركهم في السيطرة علينا يجب ايقافهم من الآن (العودة مرة أخرى موضوع أخونة الدولة).
قلت: أولاً منذ نشأة الاخوان لم نراهم في المناصب القيادية من قبل. ثانياً: الاخوان مازال امامهم الكثير حتى يتجذروا في أركان الدولة مثلما كان الحزب الوطني، و أن العبء الأساسي الآن يقع على عاتق القوى السياسية الاخرى، عليهم بالتوحد حتى لا يحدث معهم مثلما حدث في الإنتخابات البرلمانية السابقة.
هناك أيضاً معترك كتابة الدستور، موقفهم من التحكم في إعلام الدولة ،و إستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية. كل هذه المعتركات لن ينجح الاخوان في كسبها إلا بتسهيل من القوى الاخرى، فلا يلام في النهاية غيرهم في هذه الحالة بسبب اندثارهم و تشرذمهم و اهتماهم بصراعات تافهة أخرى تخرج عن سياق الصالح العام.
فأومأت برأسها و اعتقدت انها توافقني و اقتنعت بما قلته و أن الحديث إنتهى عند هذه النقطة.
 بعد ذلك إنشغل كل منا بما كان يفعله .بعد حوالي ساعة بدأت الطائرة في مرحلة الهبوط التدريجي، كانت السماء في هذا اليوم تخلو من أي سحب ، الشمس ساطعة و الجو يبدو من الشباك شديد النقاء، يتجلى من خلاله جمال الطبيعة الاوروبية الخلابة، الأشجار الكثيفة الخضراء، الحقول الزراعية المقسمة بطريقة هندسية سليمة، البيوت الصغيرة التي تتوسط هذه المساحات الشاسعة من الأرض الخضراء فتبدو من فوق و كأنها ورود صغيرة في وسط بستان كبير لا ترى نهايته. المنظر كان يسر العين و يسحر العقل.
هذه السيدة كانت مستمتعة تماماً بهذا المشهد و كلما اقتربنا أكثر من الأرض إزداد التصاقها بالشباك و كأنها تحاول الا تفوت لقطة من هذا المنظر الجميل دون أن تراه،
ثم فجأه وجدتها تقول: المنظر الجميل دة عمر ما المتأسلمين اللي في مصر هيفهموه، هنا استغلوا الطبيعة بطريقة جميلة لكن عندنا عمرهم ما هيفهموا الكلام دة.
كانت الرحلة أوشكت على نهايتها و أنا شديد التعب، كنت لا أريد أنا أفتح مرة أخرى جدال اعتقدت إنه إنتهى، فأجبت إجابات مقتضبة مثل نعم، آه و أومأت برأسي.
فقالت: بس إنت شكلك اخوان، بس مش مشكلة!!
رددت متعجباً: أنا شكلي اخوان!! اشمعني؟!
قالت: عشان دقنك!!!!!
نزلت علي هذه الاجابة كالصاعقة، كنت منتظر أن تقول مثلاً لأنك دافعت عنهم منذ قليل أو لأنك تقرأ في كتاب يبدو دينياً، كان من الامكان أن اتفهم ذلك، لكنها تجاهلت كل ذلك و حكمت حكمها بأني اخوان 'عشان دقني' . تجاهلت الجدال الطويل الذي دار بيننا و تجاهلت أن الاخوان عادة لا يطلقون لحيتهم بل و تجاهلت اني ارتدي قميص 'بينك' و استك في يدي نفس لون القميص، أي اخواني هذا !!!!
نفيت انني من الاخوان، ليس لأنها سبة أو تهمة لكن لأني حقاً لست اخوانياً سواء إنتماءاً أو تنظيماً. شعرت انها لم تقتنع بما قلت و لكني لم اكترث هذه المرة. كانت بحمد الله الطائرة قد هبطت في مطار ميونيخ و فتحت ابوابها فخرجت مسرعاً نادماً على الوقت الذي أضعته في جدال وضح في النهاية إنه كان بلا أي فائدة.
تيقنت وقتها أن تأثير  امثال توفيق عكاشة  ووائل الابراشي, لا تنحصر  على طبقة معينة من الشعب  مثلما كنت أظن،لكنه اتضح إنه تأثير يشمل  جميع طبقات الشعب مع  اختلافتها الاجتماعية، الفكرية أو التعليمية.
ولنا حديث اخر في  كيفية  التخلص من عكشنة أو ابرشة المجتمع إذا  جاز  التعبير.

3 comments: